من المعروف عن علماء اللغة الأوائل أنهم كانوا يجوبون البوادي والفيافي بحثا عن العرب الصرحاء ليأخذوا منهم اللغة العربية صافية سليمة لم يشبها الاحتكاك بالشعوب المجاورة. وكان علماء اللغة قد جمعوا الكثير من لغة هؤلاء العرب الصرحاء، وكان بعضهم يعتد ويفتخر بما لديه من الغريب والكلم الذي جمعه من العرب الفصحاء . ومن هؤلاء كان هناك عالم لا يسأل عن كلمة إلا شرحها وتكلم عن معناها ودلالتها ومن القبائل التي تستخدمها مع ذكر شاهد شعري أو نثري يحتوي عليها.
وبسبب اجابته الحاضرة عن كل سؤال او كلمة، شك بعض طلابه في ان تكون هذه الحصيلة العلمية والمفردات العربية مجرد أشياء يؤلفها من رأسه وليست مأخوذة فعلا عن كلام العرب أو لهجاتهم الخاصة. فتواطئوا على ان يفحموه ويسألوه عن كلمة لا ينطق بها العرب أصلا وليست من كلامهم
ليسمعوه ولو مرة واحدة يقول : لا أعرف هذه الكلمة، أو ليس لدي علم بها. فقالوا ليأت كل منا بحرف ومن ثم نجمع هذه الحروف لتكون كلمة، إلى أن عملوا كلمة (خنفشار). بعدها جاؤوا لشيخهم فقالوا: يا شيخنا الفاضل، نريد أن نعرف ما هو (الخنفشار)؟ تفكر الشيخ قليلا واحس ان في المسألة خبيئا قد خبئه له هؤلاء الطلاب (الزعران) ليفحموه. لكنه لم يلبث أن أجاب على الفور: الخنفشار نبات ينبت في أطراف بلاد اليمن، إذا وضع في الحليب راب، قال الشاعر: لقد عقدت محبتكم فؤادي كما عقد الحليبَ الخنفشارُ.
فتعجب الطلاب من بداهته، واحتاروا في أمرهم: فهل وافقوا بسؤالهم كلمة موجودة أصلا في اللغة العربية قد تكون من أصول غير عربية، أم أن الشيخ أحس بما خبئوه له فلفق إجابة من رأسه ليفسد عليهم الخطة